:flow
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد عليه افضل الصلاة و السلام
أخواني الأعزاء في موضوعي هذا سوف اضع بين ايديكم سيرة المصطفى خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام و سيكون ذلك على صورة حلقات متسلسه حتى يتسنى لكل شخص بالتعرف على السيره النبويه بشكل مبسط وممتع باذن الله تعالى... وارجوا من ادارة المنتدى بتثبيت موضوعي هذا حتى يسهل الوصول اليه لكل الأعضاء و الزوار ولنا ولكم الأجر و الثواب في ذلك باذن الله
الحلقه الأولى
سأبدأ اليوم بمشيئة الله تعالى بموضع اعتقد ان معلومات كثير منا فيه قليله و هو النبوءات بظهور الرسول صلى الله عليه وسلم
المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان
وها هي المزامير تبشر بالنبي الخاتم، ويصفه أحد مزاميرها فيقول مخاطباً إياه باسم الملك:
" فاض قلبي بكلام صالح، متكلم أنا بإنشائي للملك، لساني قلم كاتب ماهر: أنت أبرع جمالاً من بني البشر، انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك، وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف، نُبُلُك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوبٌ تحتك يسقطون. كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك.... بنات ملوك بين حظياتك، جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير اسمعي يا بنت وانظري، وأميلي أذنك، انسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك حسنك، لأنه هو سيدك فاسجدي له... عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض، أذكر اسمك في كل دور فدور. من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد " - المزمور 45/1 - 17
ويسلم النصارى بأن النص كان نبوءة بالنبي الآتي، ويزعمونه عيسى عليه السلام، فيما يرى المسلمون أن الصفات التي رمزت في النص إنما تعود إليه صلى الله عليه وسلم، وتمنع أن يكون المعني عيسى أو غيره من الأنبياء الكرام
ففي النص تسع أوصاف لهذا النبي، وهي
أولاً : كونه صاحب حسن لا يعدل في البشر " بهي في الحسن أفضل من بني البشر " ولا يجوز للنصارى القول بأنه المسيح وهم الذين يقولون: تحققت في المسيح نبوة إشعيا، وفيها أن المتنبئ به "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه " (إشعيا 52/2)، وهذا المعنى الذي لا نوافقهم عليه (1) أكده علماؤهم، فقال كليمندوس الإسكندراني: " إن جماله كان في روحه وفي أعماله، وأما منظره فكان حقيراً " وقال ترتليان: " أما شكله فكان عديم الحسن الجسماني، وبالحري كان بعيداً عن أي مجد جسدي " ومثله قال مارتير وأوريجانوس وغيرهما فمن كان هذا قوله بالمسيح لا يحق له أن يقول بأنه أيضاً:" أبرع جمالاً من بني البشر. القول بأنه المسيح وهم الذين يقولون: تحققت في المسيح نبوة إشعيا، وفيها أن المتنبئ به "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه " (إشعيا 52/2)، وهذا المعنى الذي لا نوافقهم عليه (1) أكده علماؤهم، فقال كليمندوس الإسكندراني: " إن جماله كان في روحه وفي أعماله، وأما منظره فكان حقيراً " وقال ترتليان: " أما شكله فكان عديم الحسن الجسماني، وبالحري كان بعيداً عن أي مجد جسدي " ومثله قال مارتير وأوريجانوس وغيرهما فمن كان هذا قوله بالمسيح لا يحق له أن يقول بأنه أيضاً:" أبرع جمالاً من بني البشر.
وقد جاءت الآثار تتحدث عن حسن نبينا وفيض جماله بعد أن كساه الله بلباس النبوة، فلم ير أجمل منه. ففي صحيح البخاري (3549) يقول البراء بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنه خَلْقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير .
ثانياً : أن النبوة وكلامها يخرج من شفتيه "انسكبت النعمة على شفتيك"، فقد كان أمياً، ووحيه غير مكتوب، فيما كانت لإبراهيم وموسى صحفاً، كما كان عيسى قارئاً - انظر لوقا 4/16
وقد جاءت نصوص كتابية عدة تؤكد أمية النبي القادم منها ما سبق في سفر التثنية " أجعل كلامي في فمه " - التثنية 18/18 وما جاء في إشعيا " أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، فيقال له:اقرأ، فيقول: لا أعرف الكتابة " - إشعيا 29/12 وفي غير الترجمة العربية المتداولة " لا أعرف القراءة " وهي تماثل – كما سبق - قول النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء: ما أنا بقارئ
ثالثاً : كونه مبارك إلى الأبد، صاحب رسالة خالدة " باركك الله إلى الأبد.... كرسيك يا الله إلى دهر الدهور
رابعاً : كونه صاحب سيف يقهر به أعداءه لإقامة الحق والعدل " تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار... بجلالك اقتحم. من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف. نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوب تحتك يسقطون " والمسيح عليه السلام لم يحمل سيفاً ولا أسقط أعداءه، ولا صوب نبله في قلوب أعدائه لنشر دعوة الحق، كما لم يكن ملكاً في قومه
خامساً : وهذا النبي محب للخير، مبغض للإثم كحال جميع الأنبياء، لكن الله فضله عليهم " مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك
سادساً : يؤتى لهذا النبي بالهدايا لعزه، وبنات الملوك يكن في خدمته أو في نسائه " بنات ملوك بين حظياتك.. بنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية..." وقد تزوج النبي بصفية بنت حيي بن أخطب سيد قومه، كما أهديت إليه مارية القبطية، وكانت شهربانو بنت يزدجر ملك فارس تحت ابنه الحسين
سابعاً : تدين له الأمم بالخضوع وتدخل الأمم في دينه بفرح وابتهاج " بملابس مطرزة وتحضر إلى الملك، في إثرها عذارى صاحباتها، مقدمات إليك، يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك
ثامناً : يستبدل قومه بالعز بعد الذل " عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض
تاسعاً : يكتب له الذكر الحميد سائر الدهر " أذكر اسمك دور فدور، من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد " فهو أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
لا يبعث الله نبياً إلا غاية في الحسن، فذلك أدعى لتصديقهم وعدم عيبهم بخلقهم، وقد وصف رسول الله عيسى عليه السلام خصوصاً بأنه كان غاية في الحسن، فقد رآه في رؤيا عند الكعبة " فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال، له لـمّة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، فهي تقطر ماءً …فسألت:من هذا؟ فقيل: هذا هو المسيح بن مريم " (رواه مسلم ح 169) (1)
لكن أعظم بشارات العهد الجديد بالنبي الخاتم هي نبوءات المسيح عن البارقليط
وينفرد يوحنا في إنجيله بذكر هذه البشارات المتوالية من المسيح بهذا النبي المنتظر، حيث يقول المسيح موصياً تلاميذه:
" إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم... إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منـزلاً الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني بهذا كلمتكم وأنا عندكم وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم …قلت لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء "-يوحنا 14/15–30
وفي الإصحاح الذي يليه يعظ المسيح تلاميذه طالباً منهم حفظ وصاياه، ثم يقول: " متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي في الابتداء قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا، سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله.... قد ملأ الحزن قلوبكم، لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم
ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة، أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين. إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" - يوحنا 15/26 - 16/14
وفي هذه النصوص يتحدث المسيح عن صفات الآتي بعده فمن هو هذا الآتي؟
البارقليط عند النصارى
يجيب النصارى بأن الآتي هو روح القدس الذي نزل على التلاميذ يوم الخمسين ليعزيهم في فقدهم للسيد المسيح، وهناك " صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا " - أعمال 2/1 - 4
ولا تذكر أسفار العهد الجديد شيئاً - سوى ما سبق - عن هذا الذي حصل يوم الخمسين من قيامة المسيح. يقول الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا: " البارقليط هو روح الله القدوس نفسه المعزي، البارقليط: المعزي " الروح القدس الذي يرسله الأب باسمي " - يوحنا 14/26، وهو الذي نزل عليهم يوم الخمسين - أعمال 2/1 - 4 فامتلأوا به وخرجوا للتبشير، وهو مع الكنيسة وفي المؤمنين، وهو هبة ملازمة للإيمان والعماد
البارقليط عند المسلمين
ويعتقد المسلمون أن ما جاء في يوحنا عن المعزي، إنما هو بشارة المسيح بنبينا صلى الله عليه وسلم وذلك يظهر من أمور
منها لفظة " المعزي " لفظة حديثة استبدلتها التراجم الجديدة للعهد الجديد، فيما كانت التراجم العربية القديمة (1820م، 1831م، 1844م) تضع الكلمة اليونانية (البارقليط) كما هي، وهو ما تصنعه كثير من التراجم العالمية
وفي تفسير كلمة " بارقليط " اليوناني نقول: إن هذا اللفظ اليوناني الأصل، لا يخلو من أحد حالين
الأول أنه "باراكلي توس". فيكون بمعنى: المعزي والمعين والوكيل
والثاني أنه " بيروكلوتوس "، فيكون قريباً من معنى: محمد وأحمد
ويقول أسقف بني سويف الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا " إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قليلاً يصير "بيركليت"، ومعناه: الحمد أو الشكر، وهو قريب من لفظ أحمد
ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو – الحاصل على الدكتوراه في آداب اليهود اليونانية القديمة- عن معنى كلمة " بيركلوتس " فيقول: " الذي له حمد كثير
ومما يؤكد خطأ الترجمة أن اللفظة اليونانية (بيركلوتس ) اسم لا صفة، فقد كان من عادة اليونان زيادة السين في آخر الأسماء، وهو ما لا يصنعونه في الصفات
ويرى عبد الأحد داود أن تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص يدعى للمساعدة أو شفيع أو محام أو وسيط " غير صحيح، فإن كلمة بارقليط اليونانية لا تفيد أياً من هذه المعاني، فالمعزي في اليونانية يدعى (باركالوف أو باريجوريس)، والمحامي تعريب للفظة (سانجرس)، وأما الوسيط أو الشفيع فتستعمل له لفظة " ميديتيا "، وعليه فعزوف الكنيسة عن معنى الحمد إلى أي من هذه المعاني إنما هو نوع من التحريف. يقول الدكتور سميسون كما في كتاب "الروح القدس أو قوة في الأعالي": "الاسم المعزي ليس ترجمة دقيقة جداً"
ومما سبق يتضح أن ثمة خلافاً بين المسلمين والنصارى في الأصل اليوناني لكلمة " بارقليط " حيث يعتقد المسلمون أن أصلها " بيركلوتوس " وأن ثمة تحريفاً قام به النصارى لإخفاء دلالة الكلمة على اسم النبي أحمد: الذي له حمد كثير
ومثل هذا التحريف لا يستغرب وقوعه في كتب القوم، ففيها من الطوام مما يجعل تحريف كلمة " البيرقليط " من السهل الهين
كما أن وقوع التصحيف والتغير في الأسماء كثير عند الترجمة بين اللغات وفي الطبعات، فاسم "بارباس" في الترجمة البروتستانتية هو في نسخة الكاثوليك "بارابا" وكذا (المسيا، ماشيح) و(شيلون، شيلوه) وسوى ذلك، وكلمة "البارقليط" مترجمة عن السريانية لغة المسيح الأصلية فلا يبعد أن يقع مثل هذا التحوير حين الترجمة
ولجلاء التحريف في هذه الفقرة فإن أدوين جونس في كتابه " نشأة الديانة المسيحية " يعترف بأن معنى البارقليط: محمد، لكنه يطمس اعترافه بكذبة لا تنطلي على أهل العلم والتحقيق، فيقول بأن المسيحيين أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يوحنا جهلاً منهم بعد ظهور الإسلام وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين
البارقليط بشر نبي، وليس روح القدس
وأياً كان المعنى للبارقليط: أحمد أو المعزي فإن الأوصاف والمقدمات التي ذكرها المسيح للبارقليط تمنع أن يكون المقصود به روح القدس، وتؤكد أنه كائن بشري يعطيه الله النبوة. وذلك واضح من خلال التأمل في نصوص يوحنا عن البارقليط
فإن يوحنا استعمل في حديثه عن البارقليط أفعالاً حسية (الكلام، والسمع، والتوبيخ) في قوله: " كل ما يسمع يتكلم به " وهذه الصفات لا تنطبق على الألسنة النارية التي هبت على التلاميذ يوم الخمسين، إذ لم ينقل أن الألسنة تكلمت يومذاك بشيء، والروح غاية ما يصنعه الإلهام القلبي، وأما الكلام فهو صفة بشرية، لا روحية
وقد فهم أوائل النصارى قول يوحنا بأنه بشارة بكائن بشري، وادعى مونتنوس في القرن الثاني (187م) أنه البارقليط القادم، ومثله صنع ماني في القرن الرابع فادعى أنه البارقليط، وتشبه بالمسيح فاختار اثنا عشر تلميذاً وسبعون أسقفاً أرسلهم إلى بلاد المشرق، ولو كان فهمهم للبارقليط أنه الأقنوم الثالث لما تجرؤوا على هذه الدعوى
ومن صفات الآتي أنه يجيء بعد ذهاب المسيح من الدنيا، فالمسيح وذلك الرسول المعزي لا يجتمعان في الدنيا، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن المعزى لا يمكن أن يكون الروح القدس الذي أيد المسيح طيلة حياته، بينما المعزي لا يأتي الدنيا والمسيح فيها " إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي
وروح القدس سابق في الوجود على المسيح، وموجود في التلاميذ من قبل ذهاب المسيح، فقد كان شاهداً عند خلق السماوات والأرض (انظر التكوين 1/2) كما كان له دور في ولادة عيسى حيث أن أمه " وجدت حبلى من الروح القدس " - متى 1/18
كما اجتمعا سوياً يوم تعميد المسيح، حين "نـزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة" (لوقا 3/22) فالروح القدس موجود مع المسيح وقبله، وأما المعزي " إن لم أنطلق لا يأتيكم " فهو ليس الروح القدس
ومما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع المسيح، والمسيح كان بشراً، وهو يقول عنه: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر"، وهنا يستخدم النص اليوناني كلمة allon وهي تستخدم للدلالة على الآخر من نفس النوع، فيما تستخدم كلمة hetenos للدلالة على آخر من نوع مغاير. وإذا قلنا إن المقصود من ذلك رسول آخر أصبح كلامنا معقولاً، ونفتقد هذه المعقولية إذا قلنا: إن المقصود هو روح القدس الآخر، لأن روح القدس واحد وغير متعدد
ثم إن الآتي عرضة للتكذيب من قبل اليهود والتلاميذ، لذا فإن المسيح يكثر من الوصية بالإيمان به وأتباعه، فيقول لهم: " إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي "، ويقول: " قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنوا " ويؤكد على صدقه فيقول: " لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به
فكل هذه الوصاة لا معنى لها إن كان الآتي هو الروح القدس، حيث نزل على شكل ألسنة نارية، فكان أثرها في نفوسهم معرفتهم للغات مختلفة، فمثل هذا لا يحتاج إلى وصية للإيمان به والتأكيد على صدقه
كما أن الروح القدس أحد أطراف الثالوث، وينبغي وفق عقيدة النصارى أن يكون التلاميذ مؤمنين به، فلم أوصاهم بالإيمان به؟
وروح القدس وفق كلام النصارى إله مساو للآب في ألوهيته، وعليه فهو يقدر أن يتكلم من عند نفسه، وروح الحق الآتي " لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به
ودل نص يوحنا على تأخر زمن إتيان البارقليط، فقد قال المسيح لهم: " إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق "، فثمة أمور يخبر بها هذا النبي لا يستطيع التلاميذ إدراكها، لأن البشرية لم تصل لحالة الرشد في فهم هذا الدين الكامل الذي يشمل مناحي الحياة المختلفة، ومن غير المعقول أن تكون إدراكات التلاميذ قد اختلفت خلال عشرة أيام من صعود المسيح إلى السماء، وليس في النصوص ما يدل على مثل هذا التغيير
بل إن النصارى ينقلون عنهم أنهم بعد نزول الروح عليهم قد أسقطوا كثيراً من أحكام الشريعة وأحلوا المحرمات، فسقوط الأحكام عندهم أهون من زيادةٍ ما كان يحتملونها ويطيقونها زمن المسيح. فالبارقليط يأتي بشريعة ذات أحكام تثقل على المكلفين الضعفاء، كما قال الله: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً - سورة المزمل آية 5
كما أن المسيح أخبر أنه قبل أن يأتي البارقليط " سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله"، وهذا الأمر إنما حصل بعد الخمسين، واستمر الاضطهاد بأتباع المسيح حتى ندر الموحدون قبيل ظهور الإسلام
وذكر يوحنا أن المسيح خبّر تلاميذه بأوصاف البارقليط، والتي لم تتمثل بالروح القدس الحال على التلاميذ يوم الخمسين، فهو شاهد تنضاف شهادته إلى شهادة التلاميذ في المسيح " فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً " فأين شهد الروح القدس للمسيح؟ وبم شهد؟
بينا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد للمسيح بالبراءة من الكفر وادعاء الألوهية والبنوة لله، كما شهد ببراءة أمه مما رماها به اليهود الله وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً - سورة النساء آية 156
وأخبر المسيح عن تمجيد الآتي له، فقال: "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" ولم يمجد المسـيح أحد ظـهر بعده كما مجده نبي الإسلام ، فقد أثنى عليه وبين فضله على سائر العالمين
هذا ولم ينقل لنا أي من أسفار العهد الجديد أن روح القدس أثنى على المسيح أو مجده يوم الخمسين، حين نزل على شكل ألسنة نارية
وأخبر المسيح أن البارقليط يمكث إلى الأبد، أي دينه وشريعته، بينا نجد أن ما أعطيه التلاميذ من قدرات يوم الخمسين - إن صح - اختفت بوفاتهم، ولم ينقل مثله عن رجالات الكنيسة بعدهم وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فيمكث إلى الأبد بهديه ورسالته، وإذ لا نبي بعده ولا رسالة
كما أن البارقليط " يذكركم بكل ما قلته لكم " وليس من حاجة بعد رفعه بعشرة أيام إلى مثل هذا التذكير، ولم ينقل العهد الجديد أن روح القدس ذكرهم بشيء، بل إنا نجد كتاباتهم ورسائلهم فيها ما يدل على تقادم الزمن ونسيان الكاتب لبعض التفاصيل التي يذكرها غيره، بينما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما غفلت عنه البشرية من أوامر الله التي أنزلها على أنبيائه ومنهم المسيح عليه السلام
والبارقليط له مهمات لم يقم بها الروح القدس يوم الخمسين فهو " متى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة " ولم يوبخ الروح القدس أحداً يوم الخمسين، بل هذا هو صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البشرية الكافرة
ويرى عبد الأحد داود أن التوبيخ على البر قد فسره المسيح بقوله بعده: " وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني " ومعناه أنه سيوبخ القائلين بصلبه المنكرين لنجاته من كيد أعدائه، وقد أخبرهم أنه سيطلبونه ولن يجدوه، لأنه سيصعد إلى السماء، " يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن....." - يوحنا 13/32 كما سيوبخ النبي الآتي الشيطان ويدينه بما يبثه من هدي ووحي "وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين
وصفة التوبيخ لا تناسب من سمي بالمعزي، وقيل بأنه جاء إلى التلاميذ يعزيهم بفقد سيدهم ونبيهم. فالعزاء إنما يكون في المصائب، والمسيح كان يبشرهم بذهابه ومجيء الآتي بعد
ثم إن العزاء إنما يكون حين المصيبة وبعدها بقليل، وليس بعد عشرة أيام (موعد نزول الروح القدس على التلاميذ) ثم لماذا لم يقدم المعزي القادم العزاء لأم المسيح، فقد كانت أولى به
ثم لا يجوز للنصارى أن يعتبروا قتل المسيح على الصليب مصيبة، إذ هو برأيهم سبب الخلاص والسعادة الأبدية للبشرية، فوقوعه فرحة ما بعدها فرحة، وإصرار النصارى على أن التلاميذ احتاجوا لعزاء الروح القدس يبطل عقيدة الفداء والخلاص.
ومن استعراض ما سبق ثبت بأن روح القدس ليس هو البارقليط، فكل صفات البارقليط صفات لنبي يأتي بعد عيسى، وهو النبي الذي بشر به موسى عليه السلام، فالبارقليط " لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به " وكذا الذي بشر به موسى " أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به "، وهو وصف النبي صلى الله عليه و سلم كما قال الله :"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى" (سورة النجم آيات من 3 إلى 5 )
بل كل ما ذكر عن البارقليط له شواهد في القرآن والسنة تقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب هذه النبوءة، إذ هو الشاهد للمسيح، وهو المخبر بالغيوب، الذي لا نبي بعده، وقد ارتضى الله دينه إلى قيام الساعة ديناً
مقتطفات من كتاب هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟
كتبه د. منقذ بن محمود السقار
محمد عليه الصلاة والسلام في نبوءات أشعياء
يكاد سفر أشعياء أن يكون في مجموعه – فيما خلا بعض روايات الأحداث – مجموعة من النبوءات، منها ما يرى فيه أهل الكتاب من يهود ونصارى إنه تنبؤ بميلاد المسيح عليه السلام وهو قوله: "ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل، زبدا وعسلا يأكل متي عرف أن يرفض الشر ويختار الخير"
أشعياء:الإصحاح السابع: 14و15
وقد كان إيمان من آمن بالمسيح عليه السلام من اليهود اقتناعا منهم بأنه النبي الذى تنبأ بمولده أشعياء في هذا النص من سفره، لكونه ولد من عذراء ولما تحقق علي يديه بإذن الله من المعجزات التي أخبر عنها أشعياء، وكان كفران سائر اليهود دعوته وإنكارهم أنه المسيح الذى تنبأ به أشعياء مستندا – في قولهم إلي عدم ظهور "إيليا" – وهو علامة على مجيئه – قبل بعثته،وهو ما أنكره عليهم المسيح عليه السلام مخبرا أنه يوحنا المعمدان " يحيي بن زكريا عليه السلام"، فقد جاء في إنجيل لوقا : " كانت كلمة الله علي يوحنا المعمدان " يحيي بن زكريا عليه السلام" ، فقد جاء في إنجيل لوقا : " كانت كلمة الله علي يوحنا بن زكريا في البرية فجاء إلي جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، كما هو مكتوب في سفر أقوال أشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة" - لوقا: الإصحاح الثالث : من 2 إلي 4
وقد ورد في سفر أشعياء العديد من النبوءات التي تبشر بمولد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وببعثه رسولا يهدى للحق وللدين الذى بعث به، نجيزئ منها الآتي:
النبوءة الأولى :
جاء فى سفر أشعياء قولة: " لأنه هكذا قال لي السيد، اذهب أقم الحارس ليخبر بما يرى، فرأى أزواج ركاب فرسان، ركاب حمير، فأصغى إصغاء شديداً، ثم صرخ كأسد أيها السيد أنا قائم علي المرصد دائماً في النهار وأنا واقف علي المحرس كل الليالي، وهو ذا ركاب من الرجال أزواج من الفرسان، فأجاب وقال سقطت، سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوته كسرها إلى الأرض" (أشعياء الإصحاح الحادى والعشرون: من 6إلي 9).
وفي هذا القول تنبؤ ببعثة نبيين رسولين أحدهما يدخل مدينته راكبا حمارا، والآخر يدخلها علي جمل، وقد دخل المسيح عليه السلام أورشليم على حمار: " حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلا لهما اذهبا الي القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشا معها فحلاهما وائتياني بهما، وإن قال لكما أحد شيئا فقولا الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما ، فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعا راكباً علي أتان وجحش ابن أتان" (إنجيل متي : الإصحاح الحادي والعشرون : من 1 إلي 5)، كذلك فقد دخل محمد عليه الصلاة والسلام يثرب علي ناقته القصواء" وبدعوته تحطمت الأصنام والتماثيل التي كانت تعبد من دون الله. فيكون الرسولان اللذان تنبأ أشعياء بهما هما المسيح عيسي ابن مريم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
النبوءة الثانية :
وجاء في سفر أشعياء قوله: " في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين، هاتوا ماء لملاقاة العطشان ياسكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من أمام السيف قد هربوا، من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب، فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفني كل مجد قيدار، وبقية عدد قسى أبطال بني قيدار تقل لأن الرب إله إسرائيل قد تكم " (أشعياء: الإصحاح الحادي والعشرون: من 13 إلي 17).
وما جاء في هذا القول هو تنبؤ بهجرة رســول الله صلى الله عليه و سلم من مكـة إلي المدينة المنورة، فالدادنييون الذين ورد ذكرهم في النص هم المنتسبون إلي دادان وهو أحد أجداد قريش من نسل إسماعيل عليه السلام، والوعر من بلاد العرب هو الطريق الذى بين مكة والمدينة المنورة، والأمر الصادر في النبوءة إلي أهل يثرب (المدينة المنورة) بمقابل المهاجرين بالطعام والشراب وبالإحسان إليهم قد تحقق بالفعل بما كان من أهل يثرب للمهاجرين.
كذلك وصف أشعياء المهاجرين – في نبوءته – بأنهم قد غادروا أرضهم فرارا بدينهم وبعقيدتهم وأنفسهم هربا من ظلم أعدائمهم، وتضمنت النبوءة وعدا بانتصار أتباع هذا النبي المتنبأ به وفناء المجد الظالم الذى كان يظل أبناء قيدار وهو كفار قريش المنحدرون من قيدار بن بنايوت بن إسماعيل عليه السلام. كما تضمنت إخبارا عن نقصان عدد فرسان الكفار بعد سنة من الهجرة أو أكثر من سنة، وذلك لتشبيه هذه السنة بسنه الأجير التي يشعر بطولها لما يناله خلالها من مشقة.وقد تحقق هذا إذ قل عدد فرسان كفار مكة وأبطالهم بعد أن آمن كثير منهم برسول الله صلى الله عليه و سلم وبعد أن قتل إله بني إسرائيل فتعليله إنه في الوقت الذى تنبأ فيه أشعياء بأمر هذا النبي لم يكن غير شريعة موسي عليه السلام شريعة الله، وكان الإله الواحد الحق هو إله بني إسرائيل أما غيرهم ممن لم يؤمنوا بشريعة موسي عليه السلام فقد كانوا يعبدون آلهة آخرى مثل بعل زبول والأصنام والتماثيل، فجاء بيان أن هذا القول هو قول الله سبحانه وتعالي.
النبوءة الثالثة:
وجاء في سفر أشعياء: " أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك يدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم، تتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين ف الظلمة. أنا الرب هذا اسمي ومجدى لاأعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات... هو ذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها، قبل أن تنبت أنا أعلمكم بها. غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحة من أقصي الأرض، أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها، لترفع البريه ومدنها صــوتها الديار التي سكــن فيها قيدار. لتترنم سكــان سـالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا. ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر، الرب كالجبار يخرج، كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ ويقوى علي أعدائه.... يخزي خزيا المتكلمون علي المنحــوتات، القائلون للمســبوكات أنت آلهتنا" (أشـعياء: الإصحاح الثاني والأربعون : من 6 إلي 17).
وهذا القول يتضمن الإخبار بنبوءتين متتاليتين، إحداهما هي الأقرب تحققا في الزمان من تاريخ الإبلاغ وقد شملتها الآيات من 6 إلي8، وهي النبوءة الخاصة بالمسيح عليه السلام دعاه الله بالبر وحفظه وجعله عهدا للشعب أى لبني إسرائيل، وهو مايعني وصف المسيح عليه السلام دعوته – في البداية – بأنها لهداية بني إسرائيل ثم إن الله جعله نورا للأمم، وفي ذلك إشارة إلي قيام المسيح عليه السلام بتوجيه تلاميذه قبل رفعه ليبشروا الأمم برسالته علي ما جاء في الإنجيل " وقال لهم اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس الإصحاح السادس عشر: 15).
وبعد ذلك يعلن أشعياء صراحة أن ما أخبر عنه آنفا هو الأسبق تحققا في عمر الزمان وأنه سيتبعه ما هم مخبر عنه " هو ذا الأوليات قد أتت، والحديثات أنا مخبر بها قبل أن تنبت أعلمكم بها". أما هذا الذى يخبر به متنبئا فهو مجئ تسبيحه جديدة يرتفع بها الصوت من أرض قيدار. وإذا علمنا أن قيدار هو ابن بنايوت إبن إسماعيل عليه السلام وأن أرضه هي مكة المكرمة وأن التسبيحة الجديدة التي ترتفع بها الأصوات هي الأذان يعلن به عن مواعيد الصلاة
إذا علمنا هذا فإنه يتأكد لنا أن النبوءة إنما تتعلق برسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا أضفنا إلي ذلك ما ذكره أشعياء بشأن الهتاف باسم الله وبتمجيدة من فوق رؤوس الجبال وهذا وصف لتهليل المسلمين وتكبيرهم في الحج لدى الوقوف بجبل عرفات، فإنه يكون محققا لدينا أن الدين الذى بشر به أشعياء هو الإسلام وأن النبي المبشر به في النبوءة هو محمد عليه الصلاة والسلام الذى وصفه أشعياء بأنه رجل حرب يقوى علي أعدائه، وقد كان هذا هو حال المصطفي عليه الصلاة والسلام الذى تم به القضاء علي عبادة الأصنام في أرض رسالته كما جاء في النبوءة.
النبوءة الرابعة :
وجاء في ذات السفر: " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدى بالترنم أيتها التي لم تمخض لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل قال الرب، أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك. لاتمسكي، أطيعي أطنابك وشددى أوتادك، لأنك تمتدين إلي اليمين وإلي اليسار، ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة. لا تخافي لأنك لاتستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد لأن بعلك هو صانعك رب الجنود أسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يدعو .. أيتها الذلية المضطربة غير المتعزية هأنذار أبني بالإثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة، وكلي بيتك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرا. بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين وعن الأرتعاب فلا يدنومنك . ها إنهم يجمتعون اجتماعا ليس من عندى، من اجتمع عليك فإليك يسقط. ها أنذا قد خلقت الحداد الذى ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله وأنا خلقت المهلك ليخرب. كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه. هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندى يقول الرب" (أشعياء الإصحاح الرابع والحمسون:من 1 إلي 17).
إننا نعلم أن الأنبياء يتكلمون فى نبوءاتهم بالرمز والمثال فإذا ماتدبرنا هذا القول وعلمنا أحوال البلاد والعباد من قبل زمان هذه النبوءة إلى اليوم فإننا ندرك الآتي:
(1) أن العاقر التي لم تلد – المذكورة فى النبوءة – هي مكة المكرمة، وصفت بأنها عاقر لأنها لم تخرج من بعد إسماعيل عليه السلام الذى جاءها طفلا مع أمه هاجر دون أن يكون قد نبت بها إلي زمان النبوءة أنبياء، وإسماعيل عليه السلام هو ابن المستوحشة التي هجرها زوجها، ونسله هم العرب العدنانيون فهم – في النبوءة – أبناء المستوحشة الذين ذكرتهم النبوءة بأنهم يصيرون أكثر من بني "ذات البعل" وهي سارة التي بقي معها إبراهيم عليه السلام، ومن أبنائها بنو إسرائيل، والمعني إن وصف مكة بالعاقر قد جاء في مقارنة مستترة بالقدس أو أورشليم التي أنجبت الأنبياء. وقد بشرت النبوءة مكة أو العاقر بأنها تمتد يمنا وشمالا وبأن أبناءها سيرثون أمما ويعمرون مدنا خربة، وذلك فى بشارة بانتشار الدين الذى تبدأ دعوته في مكة لتنتشر في أنحاء العالم فتعمر به النفوس الخربة بجهالة الكفر والشـرك، وفـي النبوءة طلب من مكة أن تسبح الله وتحمده علي ما أولاها من نعمة كونها أم المبعوث رحمة للعاملين.
(2) أن القول – في النبوءة – إن بعل العاقر هو صانعها رب الجنود اسمه، وإنه يدعي من بعد إله كل الأرض، إنما يعني أن راعي مكة هو خالقها الله الذى كان اليهود يسمونه "رب الجنود" في تمييز بينه وبين ماتعبد سائر الشعوب من آلهة، كذلك فإن قول النبوءة إنه سيدعي " إله كل الأرض" يتضمن الإشارة إلي عالمية الدعوة للدين الذى يظهر نبيه من مكة فلا يعود الرب إله بني إسرائيل وحدهم وإنما إله جميع المعبود في جميع أنحاء الكون.
(3) تشير النبوءة إلي الكعبة المشرفة وإلي إعادة بنائها وإلي قدوم المؤمنين بالدين الذى يظهر نبيه في مكة في كثرة إليها، والذين تصفهم النبوءة بأنهم أبناء الرب. وهذا هو حال حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين وزائرى البيت، كما تشير النبوءة إلي ما سيكون عليه حال مكة من تحريم دخولها علي الكفار والمشركين.
(4) تطمئن النبوءة مكة والكعبة المسجد الحرام بحماية الله، وبأنه سيكون اجتماع القوة المادية عليها فيسقط من اجتمعوا عليها، وذلك ما كان – من بعد – من أمر أبرهة وجيشه حين أراد هدم الكعبة، وبأنه سيكون هناك محاجاة بالقول وهجــوم علي الدين الذى يبعــث نبيه من مكة بالكتابة وبالمشافهة وبوسائل الإعلام المختلفة، وسـيكون النصر لدين الله الذى يتمســك به المؤمنون، وذلك علي ما يبين من قول النبوءة " كل آلهة صــورت ضـدك لا تنجح وكل لســان يقوم عليك في القضــاء تحكمين عليه. هذا هــو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندى يقول الرب".
النبوءة الخامسة :
وجاء أيضا في سفر أشعياء: " قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم ، أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يري، فتسير الامم في نورك والملوك في ضياء إشراقك. أرفعي عينيك حواليك وانظري قد اجتمعوا كلهم، جاءوا إليك، يأتي بنوك من بعيد وتحمل بناتك علي الأيدى. حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتي إليك غني الأمم، تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب، كل غنم قيدار تجتمع إليك، كباش بنايوت تخدمك، تصعد مقبولة علي مذبحي وأزين بين جمالي . من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلي بيوتها، إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الأون لتأتي ببنيك من بعيد وفضتهم وذهبهم معهم لأسم الرب إلهك وقدوس إسرائيل لأنه قد مجدك " (أشعياء : الإصحاح الستون: من 1إلي9).
وسبحان الله العظيم ليس هناك وصف أدق وأوضح لحال مكة المكرمة والكعبة المشرفة وقت أداء المسلمين فريضة الحج من هذا الوصف الذى ذكره أشعياء عام واحد وسبعمائه قبل الميلاد، وهو وصف لحالها منذ أظهر الله دينه إلي اليوم وإلي آخر الزمان. فبينما يخيم ظلام الشرك والفكر المادى علي دول العالم فيكون ظلم القوى منها ضعيفها – وليس مثل الظلام ظلام – بينما يكون هذا هو حال العالم يكون الأمر علي خلافه في مكة المكرمة عند بيت الله الحرام وقت الحج، حيث يلبي المؤمنون الدعوة بالحج فيملأ أركانها النور- وليس مثل نور الإيمان – يمجدون الله، ومنهم الملوك والرؤساء يتساوون ورعاياهم لايستنيرون إلا بنور الله وبنور الإيمان –
ثم يصف أشعياء حال الحجيج فيقول إنهم قد أتوا من أماكن بعيدة، وهم من الكعبة المشرفه بيت الله بمنزلة الابن من أمه – علي ما جري عليه وصف المؤمنين في العهد القديم بأنهم أبناء الله – فيكون لمكة المكرمة – مهد الرسالة – أن تفرح بقدوم الحجيج من أقاصي الأرض معهم الأموال والبضائع فيكون في الحج أداء الفريضة وتمجيد الله كما يكون فيه تحقيق المصالح المادية والمالية " كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب " وهو ما صدق به في القرآن العظيم في قوله تعالي : وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ {27} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ - سورة الحج آيتا 27و 28
ويقطع بأن نبوءة أشعياء تعلقت بحال مكة المكرمة وقت الحج وصفه ما يكون من إحضار أغنام قيدار – وهو علي ما علمنا حفيد إسماعيل عليه السلام جد العرب العدنانيين- وكذا ما يكون من التضحية بكباش بنايوت – وهو علي ما علمنا ابن إسماعيل عليه السلام – وقد ذكرت نبوءة أشعياء أن هذه الكباش وتلك الأغنام تصعد مقبولة إلي مذبح الرب، وذلك في تعبير عن نحر الأضاحي في الحج من بعد الصلاة.
وعلي هذا فإن النبوءة تعلن أن مسرح هذه الأحداث هو أرض أبناء بنايوت وأبناء قيدار من جزيرة العرب وليس أرضا غيرها، ثم إن النبوءة تبلغ ذورة الدقة عندما تصف كيفية حضور الحجيج من جميع أنحاء العالم قريبها وبعيدها إلي الأراضي المقدسة لآداء فريضة الحج، فتقول إن منهم من يأتي طائرا- وجاء هذا القول في وقت لم يكن فيه أحد يتخيل أنه ستكون هناك طائرات تستخدم في التنقل – وأن منهم من يأتي بطريق البحر، ومنهم من يأتي بطريق البر راكباً أو راجلا " من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلي بيوتها، إن الجزائر تنتظرني، وسفن ترشيش في الأول لتأتي ببنيك من بعيد" ثم توضح النبوءة أن حجاج بيت الله الحرام قد أنفقوا الأموال من أجل أداء فريضة الله الذى أكرم مكة بظهور رسوله عليه الصلاة والسلام منها وعظم بيته، وهو الله الحق الذى بارك إسرائيل (يعقوب) عليه السلام من قبل.
محمد عليه الصلاة والسلام في نبوءة حبقوق :
جاء في سفر حبقوق: " الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران، جلاله غطي السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه" (حبقوق : الإصحاح الثالث : 3).
وهذه النبوءة تذكر واقع نزول الشريعة اليهودية علي موسي عليه السلام في سيناء (أرض تيمان) وتعـلم بنزول القــرآن علي رســول الله صلى الله عليه و سلم في مكة -وهي برية فاران – وأنه بظهور دين الحق الذى ينبلج نوره من مكة المكرمة تتحقق عبادة الله وتمتلئ الأرض بالتسبيح له.
المراجع
الإسلام في صحف الأولين و كتب المرسلين - للدكتور : محمد محمود سعيد
ونستكمل غدا بمشيئة الله مع...من هو الذبيح المبارك؟ وأين هي الأرض المباركة؟
موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله
هل الاصطفاء في بني إسرائيل فقط؟
بشارة يعقوب عليه السلام بشيلون